"هذه الحياة جميلة.. الموت كالتاريخ.. فصل مزيف" هكذا حاولت الفنانة الفلسطينية ريم بنا أن تخفف وطأة المعاناة على أولادها، قبل أيام قليلة من أن تفارق الحياة في الـ 24 من آذار 2018 عن عمر ناهز الـ 52 عامًا، تاركة صوتها يغني "للمقاومة الفلسطينية" وقصتها رمزٌ لنضال الإنسانية ضد مرض السرطان الذي يفتك بالبشرية.
أصيبت ريم بمرض السّرطان مرتين؛ ففي عام 2006 أصيبت بسرطان الثدي، وهزمت روحها المتفائلة المرض، إلا أنه عاود الرجوع إليها في 2016 للمرة الثانية، وحينها أوضحت البنا في لقاءاتها الإعلامية أن المرض لم ولن يثنيها عن مواصلة مسيرتها الفنية الثورية، بل إنه سيزيدها عزمًا، وستنتصر عليه.
وكأن السرطان لم يكن يكفي، حيث أصاب الشلل الوتر اليساري من حنجرتها، لتتوقف عن الغناء لحين العلاج، وهنا بدأت رحلة أخرى في سبيل إعادة صوتها.
وتعد البنا إحدى أشهر النساء المؤثرات في الوطن العربي، نظرًا لرحلتها الطويلة والصعبة مع المرض، التي قابلتها بكل عزيمة وإصرار على هزيمته.
ولدت ريم بنا في الناصرة في الـ 6 من ديسمبر 1966، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية المعروفة زهيرة صباغ، وأحبت بنّا الموسيقى والغناء منذ صغرها؛ إذ شاركت منذ أن كانت في العاشرة من عمرها بالاحتفالات التي كانت تقام في المدرسة المعمدانية التي تلقت فيها تعليمها، كما أنها شاركت أثناء طفولتها في العديد من المهرجانات والمناسبات الوطنية التي كانت تقام في الناصرة. بعد أن تخرجت من المدرسة الثانوية قررت أن تحترف الغناء، فسافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى.
وقبل أن تكمل العشرين من عمرها، أصدرت بنّا ألبومها الأول "جفرا" عام 1985، وكانت تقيم في العاصمة الروسية موسكو، وهي الإقامة التي استمرّت حتى عام 1991.
أصدرت ألبومها الثاني "دموعك يا أمي" عام 1986 أثناء الدراسة، ثم تعرفت ريم بنّا على الموسيقي الأوكراني ليونيد أليكسيانكو، الذي تشاركت معه بالعديد من التجارب الموسيقية، وتزوجت منه سنة 1991، وأنجبت منه بيلسان والتوأمين قمران وأورسالم، قبل أن تنفصل عنه سنة 2010.
ومنذ ذلك الوقت رسمت بنّا شخصيتها الفنية، من خلال تخليها عن الزخرفة في الأداء الشرقي والميل نحو الإيقاعات الغربية والإلكترونية، والتي لم تؤثر على رغبتها بتسخير فنها لحفظ التراث الفلسطيني.
أعمال بنّا تمرجحت بين الحب والوطنية، وكانت ترى أنهما خطّان يتلاقيان دومًا، ولا يمكن أن يفترقا، وأصدرت آخر ألبوماتها عام 2013 تحت عنوان "تجليات الوجد والثورة" والذي اختزل فلسفتها الفنية، التي لم تبعد فيها يومًا العواطف الإنسانية عن الثورة، كما تميز الألبوم بالنزعة الصوفية، حيث تضمن الألبوم قصائد للحلاج. وحازت بنّا في السنة نفسها على جائزة "ابن رشد" للتفكير الحر.
رحيل الفنانة الفلسطينية ريم بنّا كان صادمًا، بعدما حاولت أن تقاوم المرض بكل ما أوتيت من قوة، لكن كانت الكلمة الأخيرة للورم الخبيث، فرحلت ريم في أحد مستشفيات مدينتها الفلسطينية الناصرة.
لكن رحيلها عن جمهورها لم يكن واردًا فهي حاضرة بالفن الذي قدمته، وبكلماتها التي دونتها على صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي.