يُعد المطرب الجزائري العالمي الراحل رشيد طه واحدًا من أبرز الأصوات المغاربية التي نجحت في المزج بين الموسيقى العربية التقليدية والإيقاعات الغربية الحديثة، ما جعله جسرًا فنيًا بين ثقافتين ومؤثرًا بارزًا في الساحة الموسيقية العالمية.
طوال مسيرته الاحترافية التي انطلقت في فرنسا منذ مطلع التسعينيات وحتى وفاته عام 2018، أصدر طه 15 ألبومًا غنائيًا، تضمّنت عشرات الأغنيات باللغتين العربية والفرنسية، جمع فيها بين الروح الشعبية الجزائرية وأنماط موسيقية مثل الروك والبانك والراي. كثير من هذه الأعمال حققت صدى واسعًا، ليس فقط في العالم العربي بل أيضًا في أوروبا والولايات المتحدة، ما جعل اسمه علامة فارقة في قائمة الفنانين المغاربيين الذين وصلوا إلى العالمية.
من أبرز ما قدّمه رشيد طه أغنية "يا رايح وين مسافر"، التي تعدّ نسخة معاصرة من الأغنية الشهيرة للراحل دحمان الحراشي. وقد طرحها طه عام 1998 ضمن ألبوم حمل الاسم نفسه، وتم تصوير الفيديو كليب في فرنسا بأسلوب عصري أعاد تقديم الأغنية بروح جديدة.
العمل لم يحقق نجاحًا جماهيريًا فقط، بل دخل السوق الأوروبية بقوة، فقد احتل الألبوم المركز الـ52 على قائمة الألبومات في فرنسا. وفي العالم العربي، أسهم استخدام رجل الأعمال أحمد بهجت للأغنية في الترويج لمدينة "دريم لاند" المصرية في انتشارها على نطاق واسع، لتصبح الأغنية أيقونة فنية عابرة للأجيال.
من بين الأغنيات التي ارتبطت بالوجدان الجزائري، تبرز أغنية "منفي" أو كما تُعرف شعبيًا بـ"قولوا لأمي ما تبكيش". هذه الأغنية جسّدت أوجاع المنفيين والمقاومين الجزائريين الذين عاشوا مرارة التعذيب والنفي إبان الاحتلال الفرنسي.
رشيد طه أهدى هذه الأغنية إلى المناضلين الجزائريين، لتتحول إلى رمز من رموز الذاكرة الوطنية، وحققت حضورًا قويًا في الفعاليات السياسية والاجتماعية بالجزائر، إذ مثّلت جسرًا بين النضال الشعبي والموسيقى كأداة للتعبير والهوية.
أما على الصعيد الفرنسي والأوروبي، فقدّم طه مجموعة من الأغنيات المبتكرة التي حملت بصمته الخاصة، منها أغنية "Écoute-moi camarade" التي وردت في ألبومه "ديوان 2" عام 2006.
الأغنية جسّدت قدرته على المزج بين الموسيقى المغاربية التقليدية والعالمية، إذ شارك فيها عازف الإيقاع المصري العالمي حسام رمزي، إلى جانب فرقة "كايرو سترينج". وقد لاقت الأغنية استحسان النقاد والجمهور على حد سواء، لتؤكد مكانة طه بصفته فنانًا لا يعرف الحدود، قادرًا على توحيد الثقافات عبر صوته.
رحل رشيد طه عام 2018 تاركًا وراءه رصيدًا موسيقيًا غنيًا، شكّل جزءًا من الذاكرة الجماعية للعرب والمغاربيين في المهجر، ورسالة فنية تؤكد أن الموسيقى لغة كونية تتجاوز المكان والزمان. وبأغنياته الخالدة مثل "يا رايح" و"منفي" و"Écoute-moi camarade"، سيبقى اسمه حاضرًا كرمزٍ لفنان تحدّى الحدود وأوصل صوت الجزائر إلى العالمية.