حين يُذكر الشر على الشاشة، لا يمكن إلا أن يتبادر إلى الأذهان ذلك الوجه الماكر بخفة ظل آسرة، والعبارات التي تحمل مزيجًا من الدهاء والمرح.
توفيق الدقن، الفنان الذي أبدع في تحويل أدوار الشر إلى شخصيات قريبة من القلب، فكان خصمًا لا يُكره، وشريرًا لا يُنسى، بموهبته الفذة وبراعته الارتجالية، صنع مدرسة فنية خاصة، حيث مزج بين قوة الأداء وخفة الدم، ليصبح أحد أبرز أعمدة السينما والمسرح المصري.
تحل اليوم الثلاثاء 26 نوفمبر، الذكرى السادسة والثلاثون لوفاة توفيق الدقن، أحد أعمدة السينما والمسرح المصري، الذي ترك بصمة لا تُنسى في عالم الفن، إذ استطاع هذا الفنان الاستثنائي أن يحول أدوار الشر إلى أيقونات فنية مشبعة بخفة الظل والبراعة، ما جعله حالة فريدة في تاريخ السينما المصرية. ورغم تجسيده لأدوار الشخصيات الشريرة، إلا أن الجمهور أحب الدقن بصدق، وأصبح ينتظر ظهوره بفارغ الصبر، ليُمتعهم بأدائه المميز وإفيهاته الشهيرة التي لا تزال تتردد حتى يومنا هذا.
كانت موهبة توفيق الدقن أكثر من مجرد موهبة تقليدية؛ فقد امتلك قدرة خارقة على تجسيد الشر بخفة ظل وأداء عفوي جعل الشخصيات التي يقدمها أقرب للواقع وأكثر تأثيرًا. اشتهر الدقن بجملته الشهيرة "أحلى من الشرف مفيش"، التي أصبحت إحدى علامات السينما المصرية، وكانت أحد ارتجالاته الإبداعية. امتاز الدقن بسرعة البديهة، فكان يدرس أدواره بدقة، ويضيف إليها بصمته الخاصة من خلال خلق أسلوب حوار مميز و"لازمات" جعلت شخصياته متفردة.
قدم توفيق الدقن أدوارًا عديدة أثرت السينما المصرية، لكن دوره في فيلم "أحبك يا حسن" عام 1958، كان نقطة تحول رئيسية في مشواره الفني، حيث جسد شخصية "عبده دانص"، بلطجي الحارة الظريف، بأسلوب جعل الجمهور يقف بين كره الشخصية وحب الأداء. الفيلم، الذي شارك فيه عمالقة الفن مثل شكري سرحان ونعيمة عاكف واستيفان روستي، يظل علامة بارزة في مسيرته الفنية.
خلال مشواره الفني، شارك توفيق الدقن في ما يقرب من 450 فيلمًا، أبرزها: "ابن حميدو"، و"أنا وهو وهي"، و"سر طاقية الإخفاء"، و"في بيتنا رجل"، و"على باب الوزير". لم تقتصر موهبته على السينما فقط، بل امتدت إلى المسرح، حيث قدم حوالي 120 عملًا مسرحيًا مميزًا، من أبرزها: "بداية ونهاية"، و"سكة السلامة"، و"عيلة الدوغري"، و"انتهى الدرس يا غبي".
وما يميز توفيق الدقن عن غيره هو قدرته على تحويل الشخصيات الشريرة إلى شخصيات قريبة من القلب، بـ"إفيهاته" التي لا تزال تُستخدم في الحياة اليومية حتى الآن، وأسلوبه الذي جعله ينافس عمالقة عصره، مثل: محمود المليجي وفريد شوقي. ورغم رحيله، بقي إرثه الفني شاهدًا على عبقرية لا تتكرر، ليظل "ملك الشر الباسم" أحد أعظم نجوم الفن المصري.
وتوفيق الدقن ليس مجرد فنان رحل عن عالمنا، بل هو رمز للإبداع وأحد القلائل الذين تمكنوا من تحقيق معادلة صعبة بين الشر والكوميديا، ليبقى خالدًا في ذاكرة السينما المصرية وعشاقها عبر الأجيال.