ليس صحيحا ما يقال من أن الوقت والعمر يمسحان الآلام ويغلقان الجروح ويطمسان الذكريات السلبية وتحديدا ما يحصل منها في فترة الطفولة.
هذا ما تريد مجلة "سايكولوجي توداي" الأميركية أن تقوله وتصحح به انطباعات شائعة مغلوطة لدى الكثيرين. وفي ذلك تنقل عن خبير العلاج السلوكي المتخصص، الدكتور سيث جيليهان أن الأحداث ذات التأثير الكبير في الطفولة والتي تشمل الإساءة والإهمال والطلاق والفوضى في المنزل، لا تنمحي من الذاكرة لكنها تتطور جزئيًا كوسيلة لحماية الشخص من الألم والخسارة الإضافية.
وينقل جيليهان من خلاصة دراساته أن تجارب معاناة الطفولة لها دور قوي في التأثير على صحة الشخص بعد حدوثها بخمسين عاماً أو حتى أكثر. الأمر الذي يوجب على الأم أن تبقى واعية عليه طوال عمرها وهي تتابع أطفالها في مختلف مراحل حياتهم وتراقب كيف تتطور شخصياتهم لأنهم لا ينسون بل يتكيفون مع العمر والمستحقات والطموحات.
وتنقل الدراسة من السمات المرتبطة بمحنة الطفولة، والتي يتوجب على الأم أن تديم ملاحظة كيف تتفاعل لدى أبنائها وهم يتقدمون في العمر، ما يتصل بالعصبية والغضب والعدائية وصعوبات التوافق، وكذلك التوق للنجاح والضعف في المشاركة. وفي كلّ من هذه المحن السلوكية ما يرى سيث جيليهان حاجة لتفصيله وتوعية الأمهات به.
العصبية والمشاعر السلبية
فالطفولة الصعبة كما تقول الدراسة، تعرض الشخص لخطر التعرض لدرجة عالية من المشاعر السلبية وقد تتسبب بالاكتئاب والغضب والذعر أو أي أشكال أخرى من القلق. وهذه الصعوبات العاطفية تظل متوقعة من شخص عانى من الكثير من المشاعر السلبية وهو طفل ولم يجد من يساعده في التعلم كيف يتعامل معها.
الغضب والعدوان وتدابير الوقاية من الخسارة
وتهيئ محن الطفولة للشخص وهو يتقدم في العمر أن يكون غاضباً وعدوانياً، لفظياً أو جسدياً.
وقد يميل أيضاً إلى التصرف باندفاع. قد تكون هذه التصرفات هي ما صادفها في الطفولة، لكنها ومع مرور الوقت تتطور وتصبح تدبيرا وقائيا ضد الخسارة أو تجاه أي سوء معاملة متوقع.
صعوبات في التوافق
وترى الدراسة أن الوفاق سمة شخصية تتمثل في الخصائص السلوكية الفردية التي يُنظر إليها على أنها الطيبة والتعاطف والتعاون والحميمية واحترام مشاعر الآخرين. ولذلك على الأم أن تدرك أن التعامل مع أبنائها الذين تعرضوا لسوء معاملة أو إهمال في طفولتهم، يفرض عليها أن تستوعب كيف أن ذلك قد يكون مرتبطاً بمرورهم في تجارب طغى عليها نمو المشاعر السلبية. ولذلك قد تجدهم يفضلون تحاشي الاختلاط مع الغير حتى لا يتعرضوا لنوبات الغضب.
التوق للنجاح
كذلك قد تؤدي تجارب الحياة السلبية في الطفولة إلى الغطرسة وإلى شكل غير صحي من الفخر، ربما لتعزيز الشعور الكامن بالضعف والقهر.
وهكذا على الأم أن تعي لماذا يتوق الشخص إلى النجاح والشهرة، والنجاح مادياً لتخفيف معاناة الماضي وحرمانه.
ضعف في المشاركة
وعلى الرغم من التركيز على النجاح، فقد يبحث الطفل عن مشاركة حقيقية في الحياة، لكنه في الوقت نفسه قد يفتقر الى إحساس واضح بالهدف، كما تقول الدراسة. وقد يجد صعوبة بالشعور بالرضا عن نفسه وإنجازاته، ومن الناحية الاجتماعية يميل للانعزال.
نصائح لتخطي هذه السمات السلبية
وتخلص الدراسة إلى توعية الأمهات في تربيتهن لأطفالهن بالتركيز على نظرية عقد سلام مع الماضي والوضع في الاعتبار نوعية الأشياء التي تمكن الأبناء من إنجازها والنجاحات التي يمكن تحقيقها. وبأن يتذكر الواحد منهم أنه ليس وحده من مر في مثل هذه الطفولة المأساوية. فهي شائعة. وبما أنهم طوروا شخصيتهم كطريقة لحماية أنفسهم من المزيد من الألم، فليشعروا بالامتنان لأن هذه التجارب المؤلمة، لم تسرق الحب الذي بإمكانهم منحه وتلقيه من أولئك الذين يهتمون بهم، وهم الأهل، ليشعر الجميع أن الحياة حلوة رغم مآسي الطفولة.