أحدثت السينما المصرية طفرة كبيرة في الآونة الأخيرة مع انحسار انتشار فيروس كورونا، ومنذ ذلك الحين لا يخلو موسم سينمائي من طرح عدة أفلام للمنافسة وسط عودة دور العرض لاستقبال الجمهور مجددا.
ولكن ما لا يغيب عن الأذهان هو مصطلح السينما النظيفة الذي جرى الترويج له ويعود للظهور مع كل طرح جديد، لدرجة أن البعض يعترض على الكلمات الرومانسية والقبلات التي غالبا ما تكون في سياق الأعمال المنفذة.
ومن لا يعرف، فإن مصطلح السينما النظيفة بدأ استخدامه في السينما المصرية أواخر التسعينيات من القرن العشرين، حين حدثت انتعاشة لسوق السينما بعودة الأسر لدخولها بأعداد كبيرة مع أفلام منها: "إسماعيلية رايح جاي"، و"صعيدي في الجامعة الأمريكية"، ويقصد بهذا المصطلح السينما الخالية من القبلات ومشاهد التعري، بغرض مناسبة تلك الأفلام لجميع أفراد الأسرة.
واشتهر نجمات في السينما برفضهن أداء مشاهد يرتدين فيها المايوهات أو التي لها إيحاءات جنسية، ويمكن اعتبار أن ذلك النوع من السينما ظهر استجابة لتوجهات الطبقة الوسطى المصرية.
ويرصد "فوشيا" ما يمكن أن يتركه هكذا ترويج من تأثير على صناعة السينما بشكل عام، خاصة وأنه كان هناك انقسام بين الصناع والمنتجين بشأن رفض هذا المصطلح وقبوله، بينهم إيناس الدغيدي وخالد يوسف ومحمد حسن رمزي ووائل عبدالله، حيث تحدث الخبراء والنقاد عن هذا المصطلح وفقا لما نسرده في السطور التالية؛
*التصنيف غير منصف
وقالت الناقدة ماجدة خير الله، إن الإبداع ليس متوقفا على وجود قبلات أو عدم قبولها، لكن وضع السينما المصرية في قالب بمرحلة ما يعني أن كل ما جرى إنتاجه في السابق سينما غير نظيفة، وهذه مسألة تجعل التقسيم غير منصف، الأمر في النهاية تمثيل، ومن لا يرغب في مشهد ما فهو حر؛ لأن الالتزام في مشهد معين بطريقة ما ربما لا تكون منطقية، فلا يمكن لشخص أن ينتظر حبيبته بعد عودتها من السفر ويقول لها من بعيد "وحشتيني".
وأضافت ماجدة خير الله، بأنه لا يوجد ما يسمى بـ"سينما نظيفة"، بل الصحيح هو أن هناك سينما جميلة وسينما قبيحة، إضافة إلى أن بعض الأفلام التي تدعي أنها تنتمي للسينما النظيفة تتضمن أفكارا سيئة مثلما قيل في فيلم للفنان محمد هنيدي بجملة له يقول فيها: "أبويا عاوز يتجوزني.. وهذا كارثة لأنه كلام لا يقال على طريقة الهزار أو الكوميديا وهذا معنى في منتهى السخف".
*محاكمة أخلاقية للمبدع
وشددت ماجدة خير الله، على أن ما يسود كمصطلح يعد محاكمة أخلاقية للمبدع ويضع بعض الممثلين في موقف المتهم، حتى أن بعضهم حدث له خلل نفسي وطلب التوبة وكأن الفن خطيئة، وهو ما جعل الفن عملا غير أخلاقي بعيد عن الدين، ويجعل البعض يتحدث عن اعتزاله الفن بالتوبة.
ولفتت إلى أن من يرغب في إنتاج فيلم ما بأفكاره يستطيع إنتاجه خارج مصر بعيدا عن الرقابة المصرية من خلال إنتاج مشترك مع دولة أخرى، وهذا أمر لا يعيقهم على الإطلاق.
*العمل الفني يقاس بمقاييس فنية
من جانبه قال الناقد أحمد سعد الدين، إن مصطلح السينما النظيفة اخترعه المنتج محمد حسن رمزي لكي يروج لمجموعة أفلام جديدة كوميدية كي يتم جمع إيرادات، مبينا أن السينما لا تعترف بوجود كلمة نظيفة أو غير نظيفة بل يوجد فيلم جيد أو غير جيد؛ لأن الأول له مواصفاته من ناحية السيناريو والموسيقى والإنتاج وغيرها، أما الثاني فإن مواصفاته تكون أقل، فيكون فيلم متوسط، وهذا ما نراه حاليا، إضافة إلى أن صناعة أفلام مخصصة للعيد فيها كوميديا أو أكشن زائد فإنها تبقى فترة العيد وتختفي.
وبين سعد الدين، أن العمل الفني يقاس بمقاييس فنية وليست دينية أو أخلاقية، ومن هنا لا يجوز الحكم على فيلم بأنه أخلاقي أو غير أخلاقي، مشيرا إلى أن الحكم على أي فيلم يكون من خلال السيناريو والفكرة، وأن المقاييس هي الفيصل، ولا بد أن يفهم الجمهور هذا الأمر.
وعقب الناقد المصري، أن انتشار هذا المصطلح لا يؤثر على المبدع، وكل منهم تحكمه أخلاقه ويظهر الأمر في كتاباته، لكن هذا المصطلح يمكن أن يؤثر على نوعية معينة من الجمهور، خاصة من تؤثر فيهم السوشال ميديا بأن هذا الفيلم جيد يمكن مشاهدته ويناسب العائلة أو لا.
*من يروج لهذا المصطلح؟
وعقبت الناقدة الفنية ماجدة موريس، أن مصطلح السينما النظيفة ربما يكون غير موجود حاليا، ومن يروج له هم غير السينمائيين أو المتطرفين الذين ما إن يروا فيلما يتضمن قبلات فإنهم يتحدثون عن السينما النظيفة، وينادون بها.
وأضافت أن هذا المصطلح طغى عليه الواقعية الجديدة في أفلام محمد خان ورأفت الميهي وعاطف الطيب، إلا أن البعض ينسى ذلك؛ لأنهم يرون أن السينما النظيفة هي السينما منزوعة المشاعر التي تمنع الجزء العاطفي أو ارتداء المايوه ويعتبرونها محرمات.
وواصلت ماجدة موريس، أن الحديث عن مصطلح السينما النظيفة يمكن أن يؤثر على البعض ويخلق لديهم نوعا من الخوف أو يرفض الدعاية السيئة للفيلم، علما بأن الرقابة تمنع المشاهد التي تتضمن إثارة أكثر من اللازم.
وبينت أن المناداة بهذا المصطلح لا تتسبب في محاكمة المبدع ذاته بل محاكمة للعمل ككل، إلا أن الاعتراض على مشهد ما بشكل أخلاقي هو محاكمة، وفي ذات الوقت محاكمة للفن؛ لأن العمل الفني مستقل وصورة افتراضية من الحياة.
*الجمهور هو الحكم
من جهتها قالت المخرجة المصرية إيناس الدغيدي، إن الحديث عن هذا المصطلح في الوضع الحالي ومع التطور التكنولوجي يعيدنا إلى الخلف، لاسيما وأن الجميع بات يعرف كل شيء بحكم عصر السوشال ميديا، مضيفة أن هذا المصطلح لم يعد له مكان، ومشاهد الإغراء لا مانع منها طالما كانت في إطار السياق الدرامي ودون ابتذال.
وعقبت أن الجمهور حاليا أصبح هو الحكم، ومن يريد أن يشاهد أي عمل سيذهب له إضافة إلى أن المنصات الرقمية أتاحت لكل شخص مشاهدة ما يرغب فيه.