حب ورومانسية

23 ديسمبر 2021

كيف تميزين بين سمتين متعارضتين في العلاقة العاطفية؟

لعل أقسى ما أفرزته ثقافتنا الحديثة التي تقوم على توقع مكافآت سريعة على كل ما نقوم به، هو أنها ألغت ميزة وربما مُتعة الصبر في العلاقات العاطفية.

ففي يومياتنا نتدرب مبكرا على المطالبة بالإشباع السريع والفوري. وأصبح التوقيت نقطة زمنية لحظية، والأمثلة على ذلك كثيرة، مِنْ بطاقات الائتمان والإنترنت إلى شبكات التواصل الاجتماعية، وكلها جعلت من اتصالاتنا أسرع وأقل عمقا. لم تُبق الكثير على جماليات قديمة كالصبر الذي كان يُنضج الحالات الرومانسية لغاية ما تتوفر الظروف المناسبة.

تقول دراسة نفسية أخيرة في مجلة "سايكولوجي توداي" إن الحب العميق يمنع أن يكون نفاد الصبر هو العامل الرئيس في اتخاذ القرار. صحيح أن الشغف قد يغلب برهة إلا أن القرار غالبا ما يكون للعقل.



وتعرض الدراسة للكتاب الذي صدر حديثا بعنوان "القلب لا يتحمل الصبر" للكاتب الأسترالي ستيفان زويغ، وكيف يميز بين سمتين متعارضتين تتعلقان بمعاناة أحد أو كلا الطرفين في العلاقة العاطفية.

في معظم العلاقات العاطفية هذه الأيام، يوصف من يحمل في ثناياه قلبا لا يتحلى بالصبر، بالضعيف والعاطفي الذي لا يُقدّر ويشارك حقا في معاناة الطرف الآخر، بل يؤثر الهروب.

وفي الوقت نفسه لا يوصف من يحمل قلبا صبورا بالعاطفي، لكونه يفسح المجال لعقله في اتخاذ القرار وبذلك يتحمل بصبر ورحمة كل ما قد يحدث.

رومانسية الحب والجنس والصداقة




تقول الدراسة النفسية إن الحب الرومانسي يجمع بين الصداقة والرغبة الجنسية: الأولى تقوم على المشاركة في التاريخ والمصالح والأنشطة المشتركة، و في تحمل الصبر والمساندة والحميمية والاحترام .وكلها يعززها مرور الوقت.

أما الرغبة الجنسية فهي عاطفة حادة وجامحة مثل الدوافع البيولوجية كالجوع والعطش، لا تتحمل الصبر وتتطلب إشباعًا فوريًا.

وإذا ما نظرنا إلى الحب والجنس فغالبا ما نجد تضاربا بينهما؛ إذ إن من خصائص الصداقة تطوير وتحفيز الحب الدائم وبالتالي المحافظة عليه. ولذلك يُنظر إلى الحب الرومانسي كأحد أرقى أوجه الشعور الإنساني.

بينما ارتبط الجنس بالابتذال. ولذلك طالما وُصم الشريك المتاح بأنه السلعة الرخيصة. علما أن كليهما، الرغبة الجنسية والحب الرومانسي لهما موقع خاص في الدماغ وينشطان مناطق محددة فيه.

وتصف الدراسة الرغبة الجنسية بأنها جامحة وتتطلب التنفيذ الفوري وأن أي تأخير يعد تعذيبا لا يطاق. أما الحب الرومانسي فهو قابل للتمهل، حيث المحب راضٍ بشدة عما هو فيه، بل ويشعر بسعادة غامرة وينظر إلى الصبر بأنه نوع من التآزر والمشاركة النبيلة.

ثقافتنا الحديثة غيّرت الأولويات




وتعرض الدراسة كيف أن ثقافتنا الحديثة غيّرت الأولويات وهي تملي علينا توقع مكافآت سريعة على كل ما نقوم به، وتدربنا على المطالبة بالإشباع السريع والفوري وأصبح التوقيت نقطة زمنية مربوطة بلحظتها.

وتؤكد الدراسة النفسية على أفضلية الصبر في حالة الرومانسية حين توفر الظروف المناسبة، ليصبح العقل، وليس نفاد الصبر، هو صاحب الكلمة في القرار الأخير. فالعمق الرومانسي يستغرق وقتا وصبرا، لكنه يبقى دهرا.