اهتماماتك

8 مارس 2020

كيف يجعل الفقر وغياب الأمن الاجتماعي المرأة "ضحية الابتزاز"؟

دائماً ما يؤكد مفهوم الأمن الإنساني والاجتماعي على قدرة الناس وضرورة مشاركتهم في عمليات التنمية والتقدم في المجتمع الذي يتواجدون فيه، بحيث لا يقتصر على فئات أو شرائح معينة من الأفراد دون غيرهم، وبالتالي تغيب العدالة والمساواة، أو يحرم المرأة، المضطهَد الأكبر، من هذه المشاركة.

وما تشير إليه وثائق الأمم المتحدة الحديثة والدراسات والأبحاث حول العالم بأن النساء يواجهن تهديدات كثيرة بأمنهنّ الاجتماعي، منها التعدي على حياتهن العاطفية والمادية والجسدية.

بيد أن الواجب الإنساني المجتمعي الوطني يعتبر أن تلك التهديدات في الواقع تمس المجتمع ككل، وليس النساء وحدهن، وبهذا دعوة لتكريس الجهود وتوحيدها للتصدي لهذه التهديدات وتقنينها أو تقويضها بمعنى آخر، إلى جانب وضع خطط واضحة وطويلة المدى للوقاية منها؛ لأن الأمر ليس مجرد دفاع عن حقوق المرأة وسلامتها وحدها، ولكنه يتعلق بأمن المجتمع وسلامته، بحسب الدكتورة في هندسة الخدمة البشرية الدولية رولا عواد بزادوغ.

حاجتها للمال هو المهدِّد الأول



استغلال حاجة المرأة للمال واعتبارها نقطة الضعف الموجودة لديها لإعالة نفسها أو أطفالها أو أسرتها بالكامل يسترعي اهتمام الناشطين والجمعيات والمدافعين عن حقوق المرأة للعمل على حشد الآراء والجماهير للمشاركة في هذا الموضوع.

ويستلزم العمل أيضا إيجاد آليات لنشر الوعي ودوزان الفكر لدى المجتمع بمختلف فئاته، وبخاصة المرأة نفسها، بحقوقها المنصوص عليها في الدستور الوطني الخاص ببلدها والقوانين والاتفاقيات الدولية المعنية.

ويتطلب، وفق بزادوغ، التخطيط لهذه الجهود وتنفيذها وتأكيد دورها الفاعل ومحاولة مسح الصورة النمطية المعروفة عنها منذ سنين أنها مجرد "ضحية".

وهذا ما تؤكد عليه الوثائق الدولية حول العلاقة الوثيقة بين مفاهيم تمكين المرأة ونهوضها والأمن الإنساني والاجتماعي.

واللافت، هو ارتباط مجموعة قضايا أساسية بتوفير الأمن الإنساني والاجتماعي للمرأة خصوصا، ومنها: ممارسة العنف ضدها منذ طفولتها، وعدم ملكيتها للموارد وقلة تحكمها فيها، وقلة تواجدها في مراكز صنع القرارات العامة، وعدم ممارستها لكامل حقوقها الإنسانية الاجتماعية السياسية، وأخيرا اعتبارها ضحية وتربيتها والتعامل معها على هذا الشكل في أغلب المجتمعات الإنسانية.

توفير الحماية الجسدية هو الأساس

يجب أن يتسع مفهوم تمكين المرأة والنهوض بها ليعبر عن هذه التهديدات، ويضمن من جهة أخرى، مساهمتها بشكل كبير في المواطنة الصالحة، إلى جانب تحررها من الخوف.

ولأن المرأة في مجتمعاتنا الإنسانية لا تملك خيارات واسعة؛ فإن الأمن الإنساني الفكري والاجتماعي يستلزم توفير الأمن الجسدي لها، وضمان عدم تعرضها لممارسات صحية تضر بجسدها، ولا لأي نوع من أنواع العنف عن طريق الضرب أو خلافه سواء داخل الأسرة أو خارجها، ولضمان كل ما ذكر من أمن وأمان، يجب توفير الرعاية الصحية لها بدءا من طفولتها ثم مرحلة شبابها وصولا إلى مرحلة الشيخوخة، من خلال سن تشريعات وقوانين رادعة وآليات تنفيذ حاسمة لتطبيق ذلك، كما تقول بزادوغ.

وفي الجانب الآخر، لا بد من تغيير بعض المفاهيم السائدة التي تستند إلى تفسير خاطىء لبعض المعتقدات السائدة في مجتمعها، خصوصا عند أولئك الذين يعتبرون الأذى البدني للمرأة وضربها أداة أساسية في العلاقات الزوجية، وعدها المسؤولة والمحرِّضة للرجل على اغتصابها والتحرش بها.

أما من الناحية القانونية، فينبغي اتخاذ موقف موضوعي وحاسم عندما تلجأ أي امرأة للقانون طلبا لحمايتها من العنف بأشكاله المختلفة. ومن نواح صحية أخرى، يفترض أن تكون لديها خيارات متعددة بالنسبة لنوع الخدمة الصحية التي تحتاجها وبالنسبة لرغبتها في الإنجاب ووقته وعدد الأطفال.

توفير الأمن الاقتصادي مهم أيضا



الدكتورة بزادوغ تؤشر إلى أهمية الأمن الاقتصادي للمرأة، بحيث يكون لها دخلها الثابت والكافي لتغطية حاجاتها الأساسية، إما نتيجة عملها، أو كضمان اجتماعي يؤمن لها من الجهات الرسمية في بلدها إذا تعذر عليها العمل لأي سبب كان، أو الحصول على عمل يتناسب ومؤهلاتها، على أن تتقاضى الأجر المناسب لهذا العمل.

وفي الوقت ذاته، يفترض منحها فرص التعليم بمراحله المختلفة، وتوفير خدمات رعاية الطفولة والأمومة والأسرة التي تمكنها من الجمع بين مسؤوليتها داخل الأسرة وخارجها، إلى جانب إتاحة فرص التدريب والتطوير والترقي في عملها لكي تتسع أمامها خيارات التعليم الذي ترغب به ونوع العمل الذي تطلبه دون خضوعها لأية ضغوط.

توفير الأمن الاجتماعي والنفسي

وهنا من الأهمية بمكان ألا تشعر المرأة بالاضطهاد، ولا تُحمل فوق طاقتها منذ طفولتها إلى أن تكبر وتصبح قادرة على حمل مسؤوليات أكبر، ناهيك عن توفير الخيارات حول حياتها الاجتماعية، وخصوصا ما يتعلق باختيار شريك حياتها وقبول من ترضاه ورفض من لم تقتنع به، دون أن تشعر بالخوف من أحد.

كما يتمثل تحقيق الأمان لها، بإمكانية تجولها وتواجدها في أي مكان دون مرافق، ودون تعرضها لأي إيذاء ولا اعتداء، سواء باللفظ أو السلوك. والأمر نفسه ينطبق على حريتها في التنقل والسفر، لثقتها وتأكدها بأن القانون يساندها.

وهذه مسألة، باعتقاد بزادوغ، تتطلب تغييرا في ثقافة المجتمع ونظرته الدونية للمرأة، من خلال برامج توعوية عن طريق وسائل الإعلام، ناهيك عن ضرورة التوسع في الخدمات الاستشارية لها.

وبعد تطبيق كل ما يجب توفيره للمرأة لتشعر بالأمان الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، يمكن الاحتفال بالمرأة كل يوم، لكونها متنوعة بحقوقها وتعمل بواجباتها كمواطنة تقود وتبني وتطور وتساعد مجتمعها لتسعده وترتقي لتسعد نفسها.