اهتماماتك

19 فبراير 2020

"هم البنات إلى الممات".. هل هذا المثل واقعي في الوقت الحالي؟

كان وما يزال هذا المثل أو القول الموروث في المجتمعات العربية والتقليدية يطفو على السطح من فترة إلى أخرى، كلما حدث أمر أو إشكال ما مع إحدى بنات العائلة، فما تلبث أن يلقى على مسامعها تلك العبارة، وكأنها تشكل عبئا وثقلا على كاهلهم.

وما يدعو للتساؤل حول تلك المسألة: ما سر التركيز على البنات على وجه التحديد؟ رغم أن الأولاد في الوقت الحاضر هم الأكثر هما وتسببا بالمشكلات لأهاليهم وذويهم جراء أفعالهم والحرية في تحركاتهم، والتمتع بما يريدون دون رادع؛ ما يوقعهم في أخطاء تدعو في الكثير من الأحيان للقلق.

مثَل يظلم المرأة

"فيه نوع من الظلم والجور على المرأة"، بهذه العبارة بدأ المختص في الدراسات الاجتماعية الدكتور فارس العمارات حديثه، خصوصا بعدما حققت المرأة الكثير من الإنجازات، وتمكنت من تحقيق ما لا يمكن أن يحققه الرجل نفسه.

وعن هذا المثل، ما هو إلا قول تحكمه ثقافة ذكورية لا تنصف المرأة، خاصة أن المجتمعات الشرقية ما زالت تحتفظ بموروث اجتماعي كبير مملوء ببعض المصطلحات التي قد تكون قديمة بعض الشيء، وربما نال منها الزمن جراء التغيرات الاجتماعية وتعديل بعض الموروثات الاجتماعية، التي أصبحت لا تتناسب مع ما يجري في الحياة العامة التي تقدمت وتغيرت كثيرا عما قبل وأصبحت فيه المرأة جزءا هاما لا يمكن إغفاله.

ولكي نكون واقعيين، يدعو العمارات إلى ضرورة الاعتراف بأن الخلل ليس فيما يقال، وإنما بما هو حاصل؛ فالأمثال الشعبية هي نتيجة تجربة إنسانية وخلاصة واقع؛ فأجدادنا فعليا عايشوا الهم النسوي الخاص في مجتمع كان يسيطر عليه الذكور ولا دور فيه للمرأة إلا القليل.

أما الأم في السابق، فكانت تنصاع لاشتراطات ثقافة ذكورية، بحيث يتم تربية الذكور على التمرد وعدم التقيد بالتفاصيل المتعلقة بالتقاليد أو الموروث الاجتماعي أو الشعبي، أما الالتزام بها فيقتصر فقط على الإناث اللاتي عليهن القيام بدور المستمع والمنفذ المطيع الذي لا يمكن أن يقوم بالعصيان أو رفض ما يتم إقراره بحق أي منهن.

هل تجلب الفتاة الهم لعائلتها؟

ربما كان هذا في السابق؛ فالبنات في عرف بعض الأسر ما يزلن هما كبيرا منذ طفولتهن إلى ما لا نهاية، جراء ما يتعرضن له من مشكلات طوال مسيرتهن الحياتية سواء في المدرسة أو الجامعة ثم مع أزواجهن، وما هو محتمل أن يتعرضن له، كضحايا للعنف، أو ضحايا العنف المحتملة، خاصة بعد أن أصبحت الأدوار الاجتماعية تختلف عما كانت عليه من قبل، وأن زمام المبادرة كان في يد رب الأسرة فقط، وأن أي عنصر فيها لا يمكن أن يتجاوز رب الأسرة، بحسب العمارات.

أما اليوم، فإن هذا الهم لم يعد كما كان في سابق العهد؛ إذ لم تعد البنت هما أو عالة على أهلها، إنما أصبحت محط اعتزاز وفخر؛ لما تقوم به من أعمال وأدوار أسرية فاعلة تعدت أدوار الذكور من حيث العمل، والإنجاز، وتحمل مسؤولية الأسرة والمنزل، إلى جانب تقاسم المنظومة الخاصة بحقوق المرأة في حل مشكلات الأسر إن حصلت.

السبب تناقص قيم الرجولة

تزداد مشكلات المرأة عندما تتناقص قيم الرجولة ويفقد رب الأسرة الدور الاجتماعي والأسري الذي يتمتع به، أو كلما أسيء فهم الرجولة على مستوى الوعي والسلوك، كما يقول العمارات. ومثال ذلك أن الزوجة التي كانت تترك بيت زوجها في زمن الرجولة الذي كان عنوان الضبط الاجتماعي والأسري والمعنوي كان والدها أو شقيقها يبادران لإعادتها إلى منزل الزوجية، في مقابل أن المرأة اليوم أخذت تعرف كل حق من حقوقها الذي لا يمكن لأي أحد أن ينتقص منه مهما تعرضت للعنف.

وما يعتقده العمارات، أنه لم يعد هناك مساحات لمقولة ومصطلح "هم البنات للممات"، جراء ما تتمتع به المرأة اليوم من قدرة على تحصيل حقوقها، ومعرفتها بحجم حقوقها ومسؤولياتها في ظل السرعة وتوافر المعلومات التي تبين كل شيء يتعلق بها، فأصبحت في موقع قوة، لا موقع ضعف، خاصة بعد أن أخذت الكثير من الجهات ذات العلاقة بتقاسم مسؤوليات يجب أن تقوم بها تجاه من تلتجئ إليها طالبة حقوقها أو تحقيق مطالبها في ظل تعنت ورفض الأسرة.