اهتماماتك

17 نوفمبر 2019

كي لا تكوني فاطمة أبو عكليك أخرى.. ضحيّة مُضحيّة!

استفاق المجتمع الأردني قبل أيام على جريمة "يصعب وصفها"، إن جاز التعبير، شغلت وسائل الإعلام الأردنية والعربية لبشاعتها، هي قصة المرأة المُضحّية والضحيّة في الوقت نفسه "فاطمة أبو عكليك".

فاطمة التي أفقدها زوجها بصرها بفقء عينيْها، هو نفسه الزوج الذي اعتاد ضربها والاعتداء عليها، وهي نفسها التي اعتادت أن تترك بيتها ثم ترجع له بحجة تضحيتها من أجل أبنائها. وفي النهاية لم تجد من يحميها: لا زوجها ولا أهلها، ولا القوانين المرعيّة.

اعتصام نسائي تأييدًا لحقوق فاطمة

وهي تتحدث عن واقعة الاعتداء، لم يتردد على لسان فاطمة إلا عبارة: "كل الناس بتعرف إنه صبري عليه كان عشان ولادي، وأنا بدي ولادي بحضني والجاني يأخذ أقصى عقوبة". وهذه مسألة توقفت عندها الجمعيات النسائية الأردنية عندما احتشدت السبت الماضي أمام رئاسة الحكومة لتطالب القانون بأن ينصف فاطمة.

الضحيّة المضحّية



أسئلة كثيرة وسريعة كان لا بد من طرحها لمعرفة ما إذا كانت فاطمة قادرة على التمييز بين التضحية والعطاء، وهل تعلم ما هو دور الأم، والأهم هو: هل تعلم دورها تجاه نفسها؟ هي معادلة فيها الكثير من الخلل الذي يستوجب المساءلة.

الأخصائية النفسية ومدربة التنمية الذاتية سحر مزهر وهي تتحدث عن الزواج كرباط مقدس وميثاق غليظ بين الزوجيْن، الهدف منه هوالسّكن والسكينة، توضح أنْ لا صحة لذلك على أرض الواقع عند كثيرات؛ فقد جرت العادة أن تكون المرأة هي كبش الفداء لكل المشاكل والصعوبات، وكأن نجاح الحياة الزوجية قائم عليها وحدها.

ومن هذا المنطلق، تبدأ المرأة ومنذ إتمام عقد الزواج، بتقديم التنازلات والتضحيات لتستمر الحياة، مقنعةً نفسها بأن هذا هو دورها. وتكون النتيجة ما يرسخ في أعماق زوجها هو أنه معفى من تقديم أي تنازل أو تضحية في الحياة الزوجية، الأمر الذي يجسد أمام الجميع ظلمها لنفسها قبل أن تُظلَم من الرجل والمجتمع.

معادلة هي وهو

الوضع مع فاطمة أن زوجها تمادى بفعلته واستخف بها وسحق كرامتها؛ لأنها هي من ظلمت نفسها بداية، وسمحتْ له وشجعته وأعطته الموافقة المسبقة بإهانتها، بحسب تعبير مزهر.

ولأنه لا يفهم أن الرجولة حب واحتواء وتفهّم، وليس ضربًا وإهانةً وتعذيبًا وتخويفًا، فقد تمادى زوجها باستعراض قوته وعضلاته وتفريغ غضبه عليها، وهو بذلك يمتهن رجولته وإنسانيته على حساب شريكته.

ما فعلته "هي" أنها لم تتجرأ على الصراخ للدفاع عن نفسها كما يجب، ولم تقم بحماية نفسها ووضع خطوط حمراء تمنعه من تجاوزها، ولهذه الأسباب تمادى "هو" في اعتداءاته عليها منذ زواجه إلى أن انتهت حياتها معه بخسارة بصرها، حتى وإن لقيت من يتبرع لها بقرنية عين ابنه المتوفى.

مفهوم الكرامة

كي لا تُهدر كرامة المرأة تحت أي ظرف، لا بد أن تلغي مفهوم "التضحية العمياء" من قاموسها وتستبدله بالعطاء إن كانت ترغب بالتغيير والإنصاف، تقول مزهر.

عليها القيام أيضًا بأمور تندرج تحت مسمى العطاء الذكي الذي تُحترم من خلاله حقوقها وإنسانيتها وقيمتها الذاتية بدلاً من أن يكون عطاؤها "غبيًا" وغير مرغوب، حسبما وصفته مزهر، خصوصًا إن عملت على إلغاء شخصيتها وذاتها وآرائها وكيانها بدعوى "خلّي الحياة تمشي".

العطاء الذكي هو أن توازن المرأة بين إسعاد نفسها وراحتها وبين سعادة شريكها وأبنائها، وبين وقتها الخاص مع أهلها وأصدقائها ووقتها مع الشريك والأبناء، أما تهميش سعادتها لحساب ما تتصوره سعادة شريكها وأولادها، فهو عطاء غبي حتمًا ينتهي بأنها لن تحظى باحترام نفسها ولا تقدير الآخرين.

كان الأجدر بـ "فاطمة"

ما رفضته الأخصائية جملة وتفصيلاً، هو أن تسمح المرأة لأحد أن يضربها، كما لا يحق لأحد إقناعها أن ما قام به الزوج هو سلوك حصل لحظة غضب، أو أنها كانت المسبب لفعلته هذه.

كان الأجدر بـ "فاطمة" الانفصال عن مثل هذا الشريك غير المتوازن، والمطالبة بحقوقها، وأن تنهي معاناتها بالانفصال ورفض العودة له نهائيًا، وهذا هو التصرف الإنساني الذي يحميها ويحفظ ما تبقّى لها من كرامة.

وتتابع مزهر تساؤلها: "لو رفضت فاطمة أول حادثة ضرب تعرضت لها، هل كان حالها كما هي عليه الآن؟".

كوني نفسكِ كما تريدين

تتساءل مزهر: كيف تأتمن الزوجة نفسها بين يديْ رجل يستهتر بحقوقها ولا يثمّن جهودها، أو يدافع عنها؟ مقابل ذلك، هل تتوقع منه أن يبادلها الاحترام والتقدير اللذين لم توفرهما لنفسها أم يقلل منهما؟ خصوصًا إذا علمت أن زوجها أو أي أحد آخر سيعاملها بالطريقة التي تعامل بها نفسها؟

وتنتهي الخبيرة الاجتماعية إلى دعوة فاطمة وغيرها بأن تكون جزءًا أساسيًا في بناء أسرتها بقوة وتوازن بدلاً من الضعف والاستنزاف، وأن تكون لنفسها كما هي تريد، لا كما يريدها الآخرون.