موضة

14 أغسطس 2016

لماذا فقدت مصر ريادتها في عالم الموضة؟

لا يختلف اثنان على أن مصر فقدت ريادتها تماماً في عالم الأزياء والموضة.

والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ابتداءً من أزياء الفتيات والسيدات في الشوارع، وانتهاءً بغياب مصممي الأزياء المصريين عن أسابيع الموضة العالمية، ومروراً بانصراف العرب عن الموضة المصرية بعد تدهور مستواها، بعد أن كانت منذ عشرات السنين محط أنظار العرب في كل مكان، وغيرها الكثير من الأدلة التي تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك، أن مصر فقدت ريادتها في عالم الموضة والأناقة.

والسؤال: ما هي الأسباب التي جعلت مصر تتخلى عن ريادتها في الأناقة؟

الإجابة على هذا السؤال تذهبُ بأكثر من اتجاه، فالبعض يعطيها طابعاً إيديولوجياً.

حيثُ يرون أنّ الهبوط في الذوق منذ تسعينيات القرن الماضي، بدأ مع انتشار الأفكار الدينية في الشارع المصري، خاصةً بعد الحرية التي منحها الرئيس "المؤمن" أنور السادات، للجماعات الدينية، بهدف ضرب "الاشتراكيين"، ومن هنا رأينا دعوة رجال الدين كل النساء إلى ارتداء الحجاب، وغطاء الرأس، وهي الدعوة التي استمرت لسنوات، وتستمر حتى اليوم، والتي أدّت إلى حدوث تغير شكلي جذري وكبير في المجتمع المصري، الذي أصبحت معظم نسائه من المحجبات، عكس الخمسينات والستينات، وكان من الصعب جداً الجمع بين الحجاب والموضة، لأن عروض الأزياء العالمية لا تقدّم عروضاً للمحجبات، فضلاً عن أن المحجبات يهتممن بارتداء أزياء تغطي أجسادهن، التي تحولت إلى عورة حسب الرؤية الدينية، أكثر من اهتمامهن بمتابعة الجديد في عالم الموضة، وجولة سريعة في الشارع المصري اليوم تكشف حالة الانحدار التي يعيشها بخصوص الأزياء، التي تحولت إلى غطاء للجسد فقط!.

ويعزوا المتخصصون في عالم الموضة والأزياء السبب إلى:

غياب المبدعين

رغم وجود عدد كبير من مصممي الأزياء المصريين اليوم، إلا أن معظمهم يفتقد الإبداع الذي يلفت النظر إليه، ورغم أن بعض هؤلاء المصممين يمتلك شهرةً واسعة، إلا أنهم فشلوا تماماً في تقديم أزياء لافتة، ومن هنا لم يكن غريباً غياب مصممي الأزياء المصريين، عن أسابيع الموضة العالمية، التي تقام في كبرى عواصم الموضة في العالم، بحضور نخبةٍ من أشهر مصممي العالم، وبعضهم مصممو أزياء لبنانيون مثل زهير مراد وإيلي صعب وغيرهما، ممن استطاعوا أن يحققوا نجاحاً كبيراً في عالم الموضة والأزياء، ورغم أن بعض المصممين المصريين يتواجدون في بعض هذه الأسابيع، إلا إنهم إما أن يكونوا متفرجين، أو مشاركين على هامش العروض وليس ضمن العروض الرسمية.

والمؤسف أن نعلم أن عدداً من أشهر مصممي الأزياء في مصر يدفع مبالغ طائلة من أجل تكريمه في المهرجانات الفنية في مصر كدليل على نجاحه، دون أن يعلم كثيرون أن هذه الجوائز مدفوعة الثمن.

فريقٌ ثانٍ يعزو السبب إلى:

الحالة الاقتصادية

فمصر تعاني منذ سنوات من حالة اقتصادية صعبة، وهو ما أثر على ريادتها، بعد أن تحوّلت الموضة إلى "صناعة"، افتقد المصريون أهم مقوماتها، وهو المال، ابتداء من السفر إلى عواصم الموضة العالمية، لمتابعة عروض الأزياء التي يقدمها كبار مصممي الأزياء في العالم، وانتهاء بشراء الأقمشة والخامات الجيدة واللازمة لصناعة الملابس، إضافة إلى وجود العميل أو الزبون القادر على الشراء، وهو ما زاد الأزمة اشتعالاً وتعقيداً.

آخرون يرون أن في مصر أزمة فكرية وثقافية كبيرة، لا يتحمل مسؤوليتها رجال الدين فقط، بل المفكرون والمثقفون أيضاً، الذين لم يلعبوا أي دور في تثقيف الشعب، وتغيير نظرته إلى المرأة، التي لم تعد تجرؤ على التجوّل في الشارع بملابس تكشف ولو جزءاً بسيطاً من جسدها، رغم أن "العري" جزء أصيل في عالم الموضة، ولا يوجد عرض أزياء عالمي لا تتواجد به قطع تكشف عن أجزاء من جسد العارضة بشكل أنيق قبل أن يكون مثيراً.

والغريب أنه رغم هذه النظرة الدينية إلى المرأة، إلا أنها تعيش أسوأ فتراتها فيما يتعلق بالتحرش بها، وهو تناقض غريب لم يستطع أحد أن يفسره، حيث كانت المرأة المصرية قبل الحجاب تسير بحريتها في الشوارع، وترتدي ملابس يستحيل ارتداؤها اليوم، دون أن يتعرّض لها أحد، قبل ظهور رجال الدين الذين حولوها إلى "عورة" ينظر إليها الجميع نظرة الذئب إلى الفريسة.

ومن العوامل التي يرى فيها بعض الخبراء سبباً في تراجع الموضة المصرية بشكل أو بآخر قلة عدد البرامج التي تهتم بالمرأة، واعتماد معظمها على استضافة مصممي أزياء وخبراء تجميل مصريين، بلا أي موهبة ولا إبداع، لعدم مواكبتهم أي جديد في الموضة العالمية، وزاد الطين بلّة ظهور بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة في صحافة المرأة، ولكنها لم تستطع أيضاً تطوير ذوق المجتمع المصري بشكل عام، والمرأة المصرية بشكل خاص، وبدلاً من أن ترتقي بالذوق، هبطت إلى مستوى فكر الناس لتقدم لهم أزياء من جنس الأزياء التي يلبسونها وخاصّةً ملابس الحجاب ومكياج الحجاب، وهي أمور تبتعد بنا عن عالم الموضة الحديث أكثر مما تقرّبنا إليه.