ريجيم

13 فبراير 2017

مرض القهم العصابي.. ريجيم حدّ الموت!

هل خطر ببال أحد يوماً أن الاهتمام بالجمال وتقليد عارضات الأزياء قد يؤدي إلى الموت؟ وإذا كانت النحافة المُفرطة هي مقياس الجمال عند الفتيات، فهل تستطيع الفتاة حرمان نفسها من الأكل واتباع أقسى الحميات الغذائية التي قد تؤدي بها في النهاية إلى الموت؟ ومن قال لكنّ عارضات الأزياء يعشنَ حياة السعادة؟ إن الواقع غير ذلك تماماً.

المرض القاتل الأول في الطب النفسي

لقد وصف الطب تلك الفئة التي تهتم بوزنها بشكل غير اعتيادي بأنها مصابة بمرض يُدعى "القهم العصابي" (Anorexia Nervosa)، يصيب الفتيات الصغيرات من عمر 13 – 18 عاماً، هذه الفئة تهتم بجمالها أكثر من غيرها من حيث العُمر. ويعد هذا المرض القاتل الأول في الطب النفسي، فقد وصلت فيه نسبة الوفيات قبل اكتشاف الأدوية التي تعالجه 20%، فمن كل 5 فتيات يصبن بهذا المرض تنتج عنه وفاة واحدة منهنّ.

ورغم إصابة الفتيات بهذا المرض بما نسبته 9 مقابل 1 من الشباب، وانخفاض أعداد المصابين فيه مقارنة بالأعوام السابقة وصل ما بين 10 – 15%، إلا أن هذه النسبة تعد مرتفعة جداً.

كيف يبدأ هذا المرض عند الفتاة؟



الدكتور أشرف الصالحي

اختصاصي الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور أشرف الصالحي يشير إلى أن التقدم التكنولوجي وتطور وسائل المعرفة لدى الجيل الحالي، كان سبباً في نقل المفهوم الغربي للجمال إلى عالمنا الشرقي، وبالنسبة لقناعة الفتاة، فإن الجمال الحقيقي مرتبط بعارضات الأزياء، اللواتي يلبسن أجمل الثياب وأغلاها، وهو ما يجعلها تنبهر مما تراه من تسليط الأضواء الإعلامية عليهن أينما كن، لذلك ترغب بأن تصبح مثلهنّ.



ومن هنا يبدأ المرض الفعلي، الأمر الذي يؤدي بتلك الفتاة أن تربط جمالها وصورتها وقيمتها الذاتية بالوزن، وبالتالي محافظتها على نمط غذائي معين، يمنعها حتى من تناول حبة أرز واحدة في اليوم، والتنبه الدائم للكالوريز والسعرات الحرارية في أي شيء تتناوله، حتى الرياضة التي تمارسها تكون غير اعتيادية، تصل درجة عدم جلوسها هادئة لبضعة دقائق، وتستمر في القفز والنطّ بهدف حرق السعرات الحرارية، عدا عن تناولها أدوية مسبّبة للاستفراغ الدائم، وأحياناً لا تنتظر الدواء، بل تضع أصابعها في فمها لاستخراج ما أكلته.

وبالتالي، وبحسب ما أكده الصالحي لموقع "فوشيا"، فإن جسد الفتاة يبدأ بالتأقلم مع قلة الطعام، وحرق ذاته بدءاً من العضلات، ثم ينتقل إلى القلب والكلى والتهابات في الجهاز التنفسي والدماغ والبول، كلها أمراض تقود إلى فشل أعضاء الجسم في أداء مهامها.

"وإذا وصلت حد اللامعقول في وزنها، فإن السلطات الطبية تأمر بإدخالها قسراً إلى المستشفى حماية لها من الموت، نظراً لوصولها وزن Under Weight المصنف بالخطر وغير الطبيعي، قد تصل بالمراقبين إلى إدخال الطعام للمريضة عبر أنبوب يوضع في أنفها".

صفات المصابة بالمرض



يقول الصالحي إن المشكلة أساساً لا تكمن في أكل المريضة، وإنما عملية إقناعها أن تأكل هي المشكلة بحد ذاتها، ولو وضعت أمامها كل أنواع الطعام، وحبستها في غرفة وحدها، أو هددتها، فإنها لن تأكل مطلقاً، وهذا النوع الأول من الحالات.

ومن الأمثلة على ذلك، وأثناء تقديم الطعام لإحدى الفتيات في المستشفى، وجدناها قد خبأته بطريقة غريبة وخيالية؛ فبعد تركها لدقيقتين عدنا ولم نجد رغيف الخبز، فمن غير المعقول أن تأكله خلال دقيقتين، وبعد البحث عن مكان الرغيف وجدناه تحت كيس النفايات الموجود في سلة المهملات، بينما فتاة ثانية قامت بوضع قطع الدجاج في حمالة صدرها وملابسها الداخلية، وبقيت تنتظر الأطباء حتى يخرجوا لتتخلص منها.

ولأن غالبية الحالات من الفتيات، يتميز نظام طعام المصابات بهذا المرض بالغرابة أيضاً، فالوجبة الواحدة يوزعنَها على عدة وجبات، حصة كل وجبة لا تكاد تُذكر، يبدأنَها بالنوعية التي لا تحتوي على كمية من الكالوريز، وببطء شديد تصل أحياناً لمدة 3 ساعات لكل وجبة، حتى يملّ الطبيب من مراقبتهنّ.

وإن من أكثر ما يرعبهنّ الوقوف على الميزان، خوفاً من انصدامهنّ بوزنهنّ لما سيسببه لهنّ من مشكلة كبيرة قد تدمرهنّ نفسياً، فالفكرة الخاطئة المتكونة والمتجذّرة لديهنّ أنه حال تناولنَ ملعقتين من الأرز قد يزيد الوزن 5 كيلوغرامات.

وعن منازلهنّ، يشير الصالحي إلى أن أغلبها تتميز بالمرايا الكثيرة، وهذا ما أسموه العلماء "اختلال في الصورة الذاتية"، فرغم ضعفهنّ غير الطبيعي، ينظرنَ إلى أنفسهنّ على أنهنّ بدينات جداً أي غير جميلات، الأمر الذي يصعب على الغير إقناعهنّ بعكسه.

وأما النوع الثاني من المصابات بهذا المرض تتمثل في أنهن يأكلنَ بشكل طبيعي وشرِه جداً، وعندما يكتفين من الطعام يستفرغنه لشعورهنّ بالذنب بحق أنفسهنّ.

هذه النوعيات من المرض لا تعالج بالأدوية، بل سلسلة طويلة من العلاجات النفسية تسمى العلاجات بالتحفيز والدافعية (Motivation Enhancement Therapy)، أي من الداخل، والبدء بزرع مفاهيم الجمال والوزن الطبيعي في عقولهنّ قد تستمر لعدة أشهر.



لقد تبين لدى أحد العلماء أن السبب وراء هذا الهوس في الوزن المثالي لدى الفتاة يعود إلى تركيبة الأسرة التي تعيش فيها، والتي تتسم بكثرة انتقاد الأفراد فيها لبعضهم البعض بطريقة سلبية، بالإضافة إلى عدم وضوح دور كل فرد فيها؛ فالأم تفرض سلطتها مرة وفي أخرى تكون صديقة، ودور الأب محيّد، والأخوة يتدخّل كلٌّ منهم بالآخر، أي أسرة متشابكة، ويوجهون نقداً دائماً للفتاة مثل: "أنتِ بدينة، أكلتِ كثيراً، توقفي عن الأكل، خفّفي من كمية طعامك"، ونظراً لكثرة الانتقادات وضعف دورها بين أسرتها، عندها لا تجد الفتاة أي دور تفرض فيه سيطرتها عليه إلا التحكم بأكلها، وارتباط فكرة الطعام المسبِّب الكبير للبدانة.

ومن المعلومات المهمة التي صرح بها الصالحي "أن عارضات الأزياء أغلبهنّ غير جميلات، وأن اختيارهنّ نحيفات قصداً؛ حتى من يشتري الفستان الذي ترتديه عارضة الأزياء ينتبه للفستان نفسه لا لعارضة الأزياء، ويقصد أيضاً من ذلك عدم إبراز مفاتنها، علاوة على ذلك، فإن حياتهن تتسم بالنكد، وعليهم تشديدات غذائية، يعانون جراها من مشاكل بالهرمونات والأملاح، وانقطاع الدورة الشهرية عنهنّ مدة تصل 4 سنوات، وما يتبعه من تأثير على الإنجاب في المستقبل".

إن الطقوس الكثيرة والحذر من كمية الكالوريز بهدف تخفيف الوزن، ستؤول بالفتيات المهووسات بالوزن المثالي إلى الموت، بعد أن يتعرضن للفشل الكلوي وغسيل الكلى وهنّ في عمر صغير، وما يتبعه من تعطّل في حياتهنّ الدراسية، وتحطّم الحياة الاجتماعية نظراً لقلة صداقاتهنّ، فانشغالهنّ كله ينصب على نوعية الطعام الذي يتناولنه طوال اليوم وحجم الكالوريز فيه، حتى لو كانت مجرد تفاحة.

نصائح الطبيب النفسي

"أن نعيش بصحة وسلامة ونحافظ على توازننا"، و"الجمال لا يعني أن نموت لأجل الجمال" من أهم ما قدمه الصالحي من نصائح لذوي الفتيات، الواجب عليهم اكتشاف هذا المرض باكراً، فإذا تأخروا في اكتشافه صعُبت معالجة الحالة، لما يسبّبه الريجيم القاتل لهن من مشاكل صحية، لأننا وباختصار، إذا تمكنا من معالجة مشكلة واحدة قد يصعب علينا معالجة المشكلات الأخرى.

بكل بساطة، معادلة النجاح تكمن في "أكل مثالي متوازن، رياضة مثالية متوازنة، والوصول إلى وزن مثالي وصحي" كلهم يؤكدون مقولة "درهم وقاية خير من قنطار علاج".