سينما وتلفزيون

10 يونيو 2022

ما أسباب تنامي الأعمال الانتقامية وانحدار الكوميديا في مصر؟

يعلم الجميع أن البيئة الفنية في مصر قوية، وتستطيع صناعة خامات متميزة يشكل بها المخرجون صلصالا لخلق شخصيات متنوعة ومختلفة في أعمالهم الفنية، الأمر الذي يثري الساحة بالعديد من النجوم والأعمال.

وتمتاز الصناعة في مصر بوجه عام بتنوعها في أكثر من لون بين الأكشن والرومانسي والتراجيديا والكوميديا وغيرها من الألوان الفنية، حيث ظهرت الدراما الشعبية وكذلك الأعمال الانتقامية.

ولوحظ منذ سنوات أن لون الكوميديا تقلص كثيرا بالرغم من أنه يتناسب مع طبيعة الشعب المصري "الفكاهي" بطبعه، فضلا عن تنامي ألوان درامية أخرى، لعل أبرزها الأعمال الانتقامية.

ويبدو أن تداخل الشعب في الحالة السياسية طوال السنوات الماضية مع تبعات الحالة الاقتصادية التي تتأثر بما يحدث في العالم، ناهيك عن العديد من المشاكل الاجتماعية كان لها تأثير واضح، أي تغير حالة الدراما بوجه عام ووجود التنويع الذي يتواكب مع طبيعة ما يحدث في المجتمع.




وفي السطور التالية نستعرض مع متخصصين السبب وراء تنامي الأعمال الانتقامية وانحدار الكوميديا خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى أثر ذلك من الناحية النفسية وهل لها دور في ذلك أم لا.

* أزمة إبداع


قالت الناقدة المصرية حنان شومان، إن الحياة تغيرت وهناك أزمة إبداع في الكتابة الكوميدية، وكل ما يقال أننا شعب "دمه خفيف" ونجوم الكوميديا به هم الأوفر حظا ما هي إلا مقولات ليست صحيحة.

وأضافت أن الكتابة الكوميدية من أصعب أنواع الكتابات، وهناك إشكالية عموما في أنواع الكتابات وخصوصا الكوميديا سواء في الدراما التلفزيونية أو السينمائية.



وعقبت حنان شومان، أن الاقتباس أصبح أسهل على بعض الكتاب، وبعض الاقتباسات تكون في شكل سرقة، وعندما تحدث السرقة في الكوميديا يكون الأمر أصعب، مشيرة إلى أن الأسهل أصبح هو اللجوء للعنف والجريمة في الأعمال وهو ما يجعل الإبداع الكوميدي شحيحا.

وبينت أن مسرح مصر أحدث موجة في الكوميديا ولكنها في النهاية "إيفيهات"، حتى أن الإيفيهات أصبحت تؤخذ من السوشيال ميديا.

وأشارت إلى أن بعضهم يستخدم حوارات من أفلام كوميدية عندما كانت تعرض بتقنية الأسود والأبيض، معقبة أن هذا عجز ومن يكتب كوميديا يأخذها من المشاهد في مواقع التواصل وليس العكس.

* اتجاهات إنتاجية




وعن كيفية التغلب على تلك الأزمة، أكدت حنان شومان أن المطلوب تضافر الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأولها تغيير نظام الإنتاج في مصر، لأنه عندما يكون هناك شخص موهوب ويستطيع منح جرعة كوميدية نجد أن نظام الإنتاج يقتل الإبداع، فالكتاب الكبار كانوا يكتبون في فترة طويلة مثل وحيد حامد الذي كان يظل أكثر من عام يكتب عملا فنيا وغيره مثل محفوظ عبد الرحمن.

وأكدت "شومان" أن المنتجين يضغطون على الكاتب في مسألة ظهور سيناريو في مدة ثلاثة أشهر وأحيانا تخرج الفكرة للنور ثم نجد الكاتب يكتب "أي كلام" مع مواكبة عرض المسلسل، وهو ما يجعل الكاتب حتى لو كان لديه القدرة على الإبداع نجد الإنتاج يضغطه فيبدأ في "الهبد".

وأوضحت أنه مع حتمية تغيير نظام الإنتاج لابد من تغيير في نظم التعليم، وأيضا اكتشاف المواهب، لأن هناك نظاما في الكتابة مستحدثا هو نظام كتابة الورش، وهنا لا يوجد اعتراض ولكن لا تخرج بالشكل المطلوب لأن هناك استسهالا في مسألة خروج عمل مكتوب بشكل جيد للنور، وأصبح هناك انحدار في الكتابة الكوميدية بالفعل.

* التجارة هدف





كما علق الناقد المصري سمير الجمل، أن المنتج يعمل حاليا على الوتر الجماهيري وهناك خطأ شائع لدى من يعملون في مجال الدراما وهو أن الأكشن يعادل العنف والبلطجة والإثارة، مبينا أن عنصر التشويق مفتقد وبالتالي الصنعة الدرامية لا يقدر عليها إلا من يفهمون الدراما.

وأوضح أن ما يزيد من تنامي العنف وجود بعض الألعاب الإلكترونية التي تساعد على ذلك، ومن هنا يتم استكمال العنف بالدراما من خلال أعمال تتسم بذلك ظنا منهم أن هذا هو الشائع.

وبين أن ألعاب الأطفال العنيفة هي الرائجة في السوق، فأصبحت التجارة هي الهدف وبعض المنتجين يقوم بذلك بحسن نية من أجل الكسب، والبعض يقوم بها بسبب ضغط من شركات إنتاج أخرى وفي هذا إفلاس بشكل عام.

* أعيدوا المؤلفين الكبار


ويرى سمير الجمل، أن الكوميديا ليست "نكتة" إلا الكوميديا التي بها مواقف، وهذه كان يمثلها أحمد مكي، فنجحت وتفوق على ما يفعله العنف، واستشهد بالفنان عمرو سعد في مسلسل "توبة" وما يقدمه محمد رمضان، جعل هناك انصرافا من الجمهور عنهم بدليل نجاح أحمد مكي، مبينا أننا نحتاج كتابا للكوميديا التي بها موقف وليس النكتة التي نضحك عليها وينتهي الأمر.



وأوضح أن ما يجعل الكوميديا تعيش هو اعتمادها على الموقف، حيث نرى أن الأعمال الكوميدية الناجحة موجودة حتى منذ أيام نجيب الريحاني، واللعبة هنا ترتكز على المؤلف والمنتج ولعبة التجارة، حيث لا حماية موجودة مثل شركات الحكومة التي كان يستند عليها البعض وتجد نجاحا كبيرا لكنها غير موجودة حاليا وهنا لابد من العودة للمؤلفين الأكفاء الذين يجلسون في منازلهم حاليا لأن الموجودين على الساحة استنفدوا مرات الرسوب.

* انحدار الكوميديا والعامل النفسي


من جانبه أكد الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية، أن الجمهور في حاجة إلى جرعات كوميدية تخرج من قالب الاكتئاب الذي يحدث له بين حين وآخر جراء الضغوط الحياتية، معقبا أن مسلسل "الكبير أوي 6" ما زال حتى الآن يحصد نجاحا كبيرا لأن الجمهور كان في حاجة للضحك، وبالتالي على المنتجين استغلال هذا النموذج لخلق أعمال كوميدية في المستوى ذاته.




وبين الدكتور محمد هاني، أن جهات الإنتاج على مدار السنوات الماضية كانت تقدم أعمالا فنية حسب المزاج وليس بحسب ما يحتاج الجمهور، فوجدنا "إبراهيم الأبيض" وأعمال محمد رمضان التي أثرت بالسلب على الجمهور، لذلك أصبح الناس يضحكون على أمور لا تحتاج إلى الضحك ولكن لاحتياجهم إلى ذلك يحاولون إخراج أنفسهم من الضغط بشكل عام.