سينما وتلفزيون

16 مايو 2020

زعيم الحارة الشامية.. تقليد نمطي يتراجع في دراما 2020

لا تزال أعمال البيئة الشامية إلى اليوم تحقّق أعلى نسب مشاهدة، سواء عرضت في الموسم الرمضاني أو حتى في إعادتها بعده، وعلى الرّغم من التّكرار الذي تتّكئ عليه هذه الأعمال إلا أنّها تعتمد بشكل مباشر على العادات والتّقاليد، والتفاصيل الشامية بما فيها من الحكواتي، والحلاق، والقبضاي أو الزعيم، وصاحب القهوة، وغيرها من التّفاصيل التي ارتبطت بالأعمال الشامية وأصبحت جزءا لا يتجزّأ منها.

وفي الواقع أن الأعمال الشامية قامت على مدى سنوات طويلة بتكريس مفهوم "القبضاي" والزعيم أو كما يطلق عليه أيضا "العكيد" أو "الزكرت" في كل أعمالها، وقدّمته على أنّه مكوّن أساسي من مكوّنات الحارة.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أنّ هذا المفهوم غُلّف بالنّمطيّة فلم تختلف صورة "الزعيم أو العكيد" في مسلسل شامي عن غيره، لا في المصطلحات، ولا في طريقة التعاطي، ولا حتّى في الطّرح، فـ "أبو شهاب" في مسلسل باب الحارة، الذي أدى دوره الفنان السوري سامر المصري، والذي عرف بقوّته وحكمته ومساعدته للضّعيف، لا يختلف في شيء عن "العكيد أبو أدهم" في مسلسل زمن البرغوث، والذي أدّى دوره الفنان رشيد عسّاف، وهما أيضا في الاتجاه نفسه مع دور "شاهر" في نفس العمل الذي أدى دوره الفنان سعد مينا في الجزء الأول، والفنان قيس الشيخ نجيب في الجزء الثاني، وهو القبضاي الذي يصبح زعيما للحارة بعد وفاة ابن عمه "أبو أدهم".

ويتّجه الأمر إلى الاعتماد على العضلات بشكل أكبر في مسلسل "أيّام شامية"، في شخصية "سيفو العكر" التي أدى دورها الفنان الراحل ناجي جبر، من حيث عفويته وبساطته المقترنتين بقوّته ونخوته.



ولكن الحقيقة أن مفهوم الزعيم يختلف إلى حد كبير عن القبضاي، فالزّعيم ذو حكمة لا تخيب، وعقل راجح، إضافة إلى كونه مرجعا لكل أهل الحارة، ومن الممكن أن يلجأ إليه أشخاص من الحارات المجاورة، وما دور الفنان رفيق سبيعي في مسلسل أيام شامية "الزعيم أبو صطيف" إلّا مثال مجسّد لهذا المفهوم، وخاصة عند مساعدته لبائع البيض " أبو أحمد" ضد الجنود الفرنسيين الذين نصبوا له كمينا واعتدوا على حرمة منزله في غيابه.

إضافة إلى عنصر مهم يمكن لنا التّفريق به بين مفهومي الزعيم والقبضاي أو العكيد، فالزعيم بعمر أكبر من القبضاي، الذي مازال إلى حدٍ ما في سن الشباب، فهو يمتلك القوة والشهامة والنخوة، والزعيم يمتلك الحكمة، وهذا ما يمكن أن يعكس تفاصيله بصورة واضحة مسلسل "باب الحارة"، في صورة العكيد أبو شهاب " سامر المصري" وفي صورة الزعيم أبو صالح" عبد الرّحمن آل رشي".

وقد يكون الشخص زعيما وعكيدا أو قبضاي الحارة، القابض على كل هذه الصّفات، كما في شخصية "أبو طالب" التي يؤديها الفنان رشيد عسّاف في مسلسل "طوق البنات"، فهو الزعيم الذي يقاتل الفرنسيين، وهو الوجه الأهم في الحارة، وهو العون لكل من فيها، والشّهم الذي لايرضى بالظلم لأحد فيها.

لايمكننا الجزم أنّ كثرة العناصر التي تضمّها الحارة الشّامية هي محض خيال الكاتب فقط، فهي كانت موجودة في الحارات القديمة فعلاً إنما ليست مجتمعة على هذه الصورة التي تقدّمها وتسوّق لها أعمال البيئة الشّامية حديثا، بكل ما فيها من نمطيّة وتكرار لا يختلف عليه اثنان.

الزعيم في دراما 2020

يبدو أن بعض الانتقادات التي طالت الخطوط الدرامية المتعلقة بالزعيم والقبضاي لاقت صداها لدى بعض صناع هذه الدراما وهو مانلحظه في دراما رمضان 2020 حيث تبدو الصورة مختلفة مع احتفاظها على مبدأ "كبير الحارة" أو "كبير السوق" فعلى الرّغم من وجود عملين شاميين لهذا الموسم إلّا أنّ فكرة الزعيم تكاد تكون غير واضحة فيهما بالشكل النمطي، ففي مسلسل "سوق الحرير" نجد "أبو طلال" الذي يجسده أسعد فضة، هو كبير تجار الحرير في السوق، وهو يتّصف بالحكمة والاهتمام بشؤون أهل الحارة بالصورة التي اعتدنا رؤيتها بشخصية الزعيم في سابقه من الأعمال، إلا أنّها تخلو من التّسمية، وتكتفي بأنّه كبير سوق الحرير، ليكون ذلك كفيلاً بسلطته عليهم من ناحية احترامه وبحثه عن العدالة.

أما في المسلسل الشامي الثاني للعام الجاري تأتي صورة الزعيم في مسلسل "بروكار" كما كنا نراها سابقا لكن مع اختلاف في الشكل والمضمون وفي جوهر مفهوم الزعيم، فـ "أبو النور" و"عزمي بيك" الذين يؤدي دوريهما كل من الفنانين عبد الهادي الصباغ وزهير رمضان على التوالي، لا يمتلكان قوة الزعيم، أو سلطته حتى على أهل بيته، ولا يتميزان بالقرار الصارم، وبكلام لا يعاد مرتين بل تتجه الزعامة لديهما إلى المنافسة على منصب الكبير، وعلى محاولة كل منهما كسب أهل الحارة إلى طرفه، والمنافسة التجارية؛ ما يلغي فكرة الخبرة والحكمة التي ترافقت مع زعماء الحارات الشامية في الأعمال الأخرى. وربما سيكون هذا تمهيدا للتخلص من القبضاي أو الزعيم وسعي جميع أهل الحارة إلى كسب رضائه في وجوده وغيابه في أعمال البيئة الشامية التي سيتم إنتاجها و نراها لاحقا.