سينما وتلفزيون

3 يونيو 2019

ناقد فني وسينمائي: يجب إعادة النظر بدراما رمضان و"النص المكتوب" أهم مشاكلها!

ربما يندرج رمضان 2019 بأنه العام الذي جرت فيه مراجعة الأعراف الاجتماعية والثقافية التي دأبت طوال العقدين الماضيين على تكثيف ضخ الدراما التلفزيونية في هذا الشهر المبارك بدلاً من توزيعها على خريطة أشهر السنة.

فقد شهد رمضان هذا العام تراجعًا في الكمية والنوعية للمسلسلات التلفزيونية، تفاوتت وجهات نظر النقاد الفنيين في تقييم أسبابه، لكنها اتفقت تقريبًا على صواب مبدأ التوزيع على امتداد العام.

وكانت السنوات السابقة بما شهدته من تزاحم في المسلسلات الرمضانية، أفرزت كثيرًا من المشاكل في بُنية الدراما التلفزيونية العربية من حيث الشكل والمضمون، وانعكس ذلك على نسبة المشاهدة، حتى إن الكثير من أدوات قياس المشاهدة غير دقيقة.

ومع نهايات رمضان بما شهده هذا العام من خلل كبير في الموروث المتعارف عليه، تعرضت الدراما إلى خسارة كبيرة في قوة الحضور وفي القدرة على التأثير في وجدان المشاهد العربي لعدة أسباب.

المشكلة في النص المكتوب

الناقد الفني والسينمائي رسمي محاسنة في حديث خاص لـ"فوشيا" ينطلق في تقييمه لما حصل من قناعاته بأن أهم مشاكل الدراما التلفزيونية الآن هي في "النص المكتوب" أصلاً، من حيث ضعف بناء الشخصيات وهشاشة تواتر الأحداث، واشتباك الشخصيات ببعضها البعض "دراميًا". ومن هنا جاء هذا الاستنساخ والتكرار والاجترار للمواضيع، بحيث فقدت تلك الأعمال مصداقيتها من الحلقة الأولى.

ففي هذا العام، كما يقول محاسنة، شاهدنا أكثر من عمل يتشابه في الشكل والقضية، وهو ما انعكس على غياب الجديّة لدرجة أن بعض المشاهد بدت "وكأن المخرج والممثلين والفنيين ذهبوا إلى موقع التصوير من دون تحضير مسبق".

غياب النجم

مسألة مهمة أخرى تتعلق بأداء الممثلين، حيث لم يعد هناك النجم الذي يمكن أن تتوقف عند أدائه، وهو ما أنتج تكرارًا لمواضيع ملّ منها المشاهد، بحيث لاحظنا في بعض الأعمال بالسنوات الماضية تقديم طروحات مُلتبسة فيها من الافتعال بمثل ما فيها من الشطط أحيانًا"، بحسب محاسنة.

أجزاء المسلسلات غير المبرَّرة

وعن أجزاء المسلسلات غير المنطقية، يسجل محاسنة شعورًا بالأسى أثناء المقارنة ما بين أجزاء بعض الأعمال الحالية وبين أعمال سابقة تم تقديمها بأكثر من جزء، مثل: مسلسل "ليالي الحلمية" حيث الفارق الكبير في قوة العمل وجديته ورصانته، وفي القدرة على شدّ المشاهد طوال الأجزاء المعروضة. بينما في الوقت الحاضر فإن تلك الأجزاء لم تستطع إخفاء ضحالة فكر القائمين عليها من كتّاب دراما ومنتجين وأيضًا فضائيات تقبل بعرض هذه الأعمال "المتدنية المستوى فنيًا وفكريًا"، كما يصفها محاسنة.

كما لم يعد هناك أي مسلسل تلفزيوني يتكون من عدة أجزاء يمكن للمشاهد أن يتوقف أمامه، حيث أصبح النهج اختلاقًا لشخصيات وأحداث غير مقنعة تكرر نفسها، وبما يجعلها مصدرًا للتندُّر والتهكم من المشاهدين.

القبول بأدوار لا تليق بشخصية بعض الفنانين

ويعتقد الناقد محاسنة أن هيمنة رأس المال وسطوته على مجمل العملية الإنتاجية للدراما جعلت أيضًا ممثلي الصف الأول لا يمتلكون قرارهم تمامًا، إضافة إلى رغبة بعض الممثلين بالتواجد بأكثر من عمل، إما اعتقادًا منهم بأن ذلك سيرفع من مستوى جماهيريتهم ونجوميتهم، أو طمعًا بمزيد من المال، وفي كلتا الحالتين، فإن هذا ينتج دراما ضعيفة وينعكس سلبًا على الممثلين أنفسهم من حيث الأداء والقبول بأدوار لا تليق بهم في حمّى التسابق على الموسم الرمضاني.

أخطاء إخراجية لا تُعدّ ولا تُحصى

الأمر ينطبق على سائر أنواع الدراما العربية، كما يقول محاسنة، ابتداءً بالكوميديا والدراما البدوية والاجتماعية وانتهاءً بالتاريخية. كل هذه الأشكال من الدراما أصبح يتم عملها بشكل سريع وغير مدروس، تكرر نفسها ومفاهيمها، بالإضافة إلى الإسفاف والتهريج الذي تقدمه الكثير من الأعمال.

ما يحصل في كل سنة، هو أن المنتجين مع اقتراب شهر رمضان يبدأون تدوير العجلة تحت ضغط الوقت والاستعجال لإنجاز المسلسل. ولذلك تقع هذه الأعمال بأخطاء قاتلة. عدا عن التجرؤ على قيَم المشاهدة، بمعنى أن المشاهد العربي في السنوات السابقة تعوّد على أن هذه الشاشة هي شاشة الأسرة، إلا أن البعض من الأعمال ضجّت بالمفردات النابية والإيحاءات الجنسية المُخجلة، والأفيهات التي لا تليق بأن تكون ضمن الدراما الرمضانية، خاصة أن هذا الخروج عن النص بهذه المفردات والإيحاءات لا يخدم أصلاً البنية الدرامية للعمل.

كيفية تجاوز تلك الحالة

يرى محاسنة أن العملية الإنتاجية تُدار بأيدٍ غالبيتها تبحث عن ترويج أعمالها من خلال محطات تبث ما تنتجه، وبالتالي تصبح المسؤولية مشتركة ما بين "رأس المال" المتحكم بالعملية الإنتاجية "الكتابة، الرؤية الإخراجية، أداء الممثلين، المكمّلات الفنية" وأيضًا ما بين الفضائيات. ويبقى رهان يصعب تقدير حجمه وقوته وهو الرهان على الفنان نفسه في أن يقدّر مسؤوليته تجاه فنّه ومجتمعه، بحيث لا يقبل تقديم إلا ما من شأنه أن يحترم عقل المشاهد العربي ويرتفع بمستوى الذائقة العربية.